تستلهم لوحات تشكيلية يعرضها الفنان أحمد مجدي في معرض ينطلق غدا الأحد الطقوس والعادات المصاحبة للموالد الشعبية في مصر.
يحمل المعرض، وهو الأول لمجدي (28 عاما)، اسم (اشتهاء العين) ويقام في غاليري (موشن) في حي الزمالك بوسط القاهرة ويستمر حتى الثاني من يونيو حزيران.
تركز لوحات المعرض على تقديم مجموعة من المشاهد السردية التي تدور في عالم الموالد الشعبية في صعيد مصر، وتجمع بين مجموعة من الممارسات الغرائبية التي يقوم بها المتصوفون.
وتبدو لوحات المعرض أقرب إلى ترجمة جديدة لمشاهد الأوبريت الشعبي الشهير (الليلة الكبيرة) الذي كتبه الشاعر صلاح جاهين ولحنه سيد مكاوي وقدمه مسرح العرائس في ستينيات القرن الماضي.
وقال مجدي لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن لوحات المعرض تبرز تأثير طقوس الممارسات الصوفية التي تشهدها الموالد في مصر على التقاليد والعادات الشعبية، مشيرا إلى أن الموالد تمثل حالة احتفالية كبرى، كما تحفل بمشاهد خارقة لابد وأن تثير انتباه الفنانين.
وأضاف "الانصهار في الموالد يعمل على استثارة قدر كبير من شهوة الأعين، ويتم تشكيلها وإسقاطها بواسطة الخيال، وتأخذ الأعين حصيلتها من المحسوسات البصرية والسمعية ومن خلالها يتم الدخول لعالم خيالي تخفيه تلك الطقوس".
ويعود مجدي إلى تراث الفن التشكيلي الحديث في مصر، موضحا أن حالة المولد ظلت مصدر إلهام لفنانين رواد من أمثال محمود سعيد وعبد الهادي الجزار وسعيد العدوي.
ويرى مجدي أن مهمة الفنان التشكيلي تقوم على استعادة هذه الطقوس وإعادة تركيبها بصورة غير مألوفة لإظهار معتقدات الدراويش والمتصوفين في كل ما هو خارق للعادة.
ويقول مجدي، الذي درس التصوير في كلية الفنون الجميلة بالأقصر، إن إبصارنا لا يوجد داخل إطار مثل النافذة، بل هو غالبا بلا إطار.
وأضاف "نحن نستخدم عمليات شعورية منفصلة لملاحظة أو مشاهدة الصور الموجودة على شاشة داخلية لدينا، لكننا بدلا من ذلك نشعر بأن ما نراه موجود في البيئة التي نحن فيها أيضا، ومع تحركنا داخل هذه البيئة نلتفت لما هو قادم من العالم الخارجي ويتشكل وعينا بأجسادنا".
وأوضح أن العين تتميز بقدرتها على صياغة الوعي بالعالم وإعادة تمثيله في تأويلات وصور لا نهائية، كما الفن في أحد تعريفاته مرتبط بإعادة تمثيل العالم بصريا.
ووفقا لمجدي، فإن أي فنان يركز في مسعاه على ترويض شهوة العين، ولا يرغب في التمييز بين الوقائع الفعلية والوقائع المتخيلة.
ومضى قائلا "حاولت في المعرض الوقوف في منزلة بين المنزلتين، فلا أنا قادر على فقدان الوعي ولا أرغب في امتلاكه".
ويلجأ مجدي في لوحات عديدة إلى إجراء الكثير من التحريف في عملية الإدراك وفي تعامل الذاكرة مع الصورة، مؤكدا استمتاعه بالذهاب إلى أقصى حدود الحيرة والتأمل في اللامتناهي.
ولا يخفي الفنان التشكيلي ارتباطه بموضوع المولد وتوحده التام مع الطقوس التي عرفها داخله، وأضاف "انغمست فيها بدافع التلصص الذي هو من دوافع اشتهاء العين".
ونجح مجدي بصورة واضحة في خلق الإيهام بالواقع من خلال اللوحات التي تنقل مشاهد تفصيلية حميمة من الموالد التي عاش الفنان التشكيلي بجانبها طفولته في صعيد مصر حيث تطوف مواكب الطرق الصوفية وتعتمد على ما تحمله الخيول من مشاهد غرائبية.
ولا يخفى عن زائر المعرض انصهار الفنان والتصاقه بموضوعات اللوحات التي تفيض بصور ومشاهد يرى البعض أنها وثيقة الصلة بالواقعية السحرية، فيما يفضل البعض الآخر أن يلحقها بالخيال أو السريالية التي تحطم القيود بين الجسم والنفس، وبين الشعور واللا شعور، وبين الداخلي والخارجي.
وأكد مجدي أنه لم يتناول عالم الموالد الشعبية لأغراض فلكورية ذات طابع سياحي، لكنه أراد التعبير عن التراث الذي يحمله بداخله.
وقال "من المؤسف حقا أن بعض الفنانين ينظرون للاحتفالات الشعبية إما بطريقة استشراقية تعظم من الجانب الغرائبي، أو بنظرة استعلائية تحط من قيمتها وترغب في عزلها عن السياق الثقافي والبيئة المحيطة".
وبحسب مجدي، فإن المعرض يمثل تحية للذاكرة التي أسعفت صاحبها بما اختزنته من صور وتجليات امتلكت دائما القدرة على إثارة التساؤلات وإطلاق شهوة العين، رغبة منه في الإلحاح على نعم الخيال.
يتأمل الفنان التشكيلي في لوحاته ما وراء الطقس الشعبي الاحتفالي، وتفيض خطوطه بالعلامات التي تحيل إلى عوالم خيالية لكنها مألوفة داخل المولد، ومنها مشاهد لاعب الأراجوز والألعاب الشعبية الأخرى والآباء الذين يحملون أطفالهم، فضلا عن الصخب اللوني في أزياء الدراويش والمريدين.
كما تزدحم اللوحات بالعلامات الهندسية، خاصة المربع الذي يرمز للعناصر الطبيعية الأربع الماء والهواء والتراب والنار، وهو الشكل الأمثل للاستقرار، بخلاف رمزيات المراكب والمقامات الصوفية، ويشتغل الفنان التشكيلي بوضوح على أغطية المقامات ويرصع أسطحها بمهارة بالغة.
![897ea680-0153-43a6-a1a8-e71d3a31f6aa.jfif](https://dx6nmerofdgzj.cloudfront.net/prod/897ea680_0153_43a6_a1a8_e71d3a31f6aa_b8f522ceb7.jfif)
**الفنان التشكيلي المصري أحمد مجدي بين لوحاته المقرر عرضها في معرض بعنوان (اشتهاء العين)**